.. l[ محطة التخلص من الذنوب والمعاصي ]l ..
..
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم رحمه الله: (ولما كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن
معصيته كان من تتمة ذلك رجوعه إليه بالاجتهاد والنصح في طاعته
كما قال تعالى:" إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا "فلا تنفع توبة وبطالة فلا بد من
توبة وعمل صالح، أي لابد من ترك لما يكره الله وفعل لما يحب الله ولابد من تخل عن
معصيته وتحل بطاعته، فالإنابة هي الرجوع إلى الله بالإسراع إلى مرضاته والتقدم إلى
محابه في كل وقت، والإنابة تتضمن أربعة أمور: محبته والخضوع له والإقبال عليه
والإعراض عما سواه فلا يستحق إسم المنيب إلا من جمع هذه الأربع، قال تعالى: "
وأنيبوا إلى ربكم " وقال عن خليله إبراهيم إن إبراهيم لحليم أواه منيب –
والرجوع إلى الله يستقيم بثلاثة أشياء:
بالخروج من التبعات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات، والمقصود بالخروج من
التبعات هو التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله وأداء الحقوق للخلق –
والمقصود بالتوجع للعثرات أي يتوجع القلب وينصرع ويتألم إذا عصى ربه وتجاوز
أمره وأن يتوجع كذلك لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر حتى كأنه هو الذي عثر ولايشمت به
فهو دليل على رقة قلبه وإنابته، والمقصود بإستدراك الفائتات هو المسارعة إلى
الطاعة والتقرب إلى الله بكل ما يرضيه وتدارك العمر بالصالحات قبل فوات الأوان، أيها
الإخوة والرجوع إلى الله يستقيم ويصلح بالخلاص من لذة الذنب بحيث يعود مكانها
التوجع والألم لذكر الذنب والتفكر فيه,
ويستقيم الرجوع إلى الله بترك الإستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم مع فتح باب الرجاء
للنفس, فترجوا الرحمة لنفسك وتخشى على أهل الغفلة النقمة، والصحيح أن ترجوا لهم
الرحمة وتخشى على نفسك النقمة ويستقيم الرجوع إلى الله في الاستقصاء في رؤية
علل العمل والتفتيش عن حظوظ النفس فيه وتمييز حق الرب من حظ النفس
قال ابن القيم رحمه الله : (فكم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن
تكون لله خالصة وتمنع أن تصل إليه)
وإن العبد ليعمل العمل حيث لايراه أحد وهو غير خالص لله ويعمل العمل والعيون قد
استدارت عليه وهو خالص لوجه الله،
ثم قال رحمه الله : (فبين العمل وبين القلب مسافة فيها قطاع تمنع وصول العمل إلى
القلب فيكون الرجل كثير العمل وما وصل إلى قلبه منه محبة ولاخوف ولارجاء ولازهد
في الدنيا ولارغبة في الآخرة ولانور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه وبين الحق
والباطل ولاقوة في أمره فلو وصل أثر الأعمال إلى القلب لاستنار وأشرق)
ثم بين القلب وبين الرب مسافة عليها قطاع تمنع وصول العمل إليه من كبر وإعجاب
ورياء وسمعة وإدلال ورؤية العمل ونسيان المنة من الله وعلل خفية ومن رحمة الله
تعالى أن ستر تلك العلل على أكثر العابدين إذ لو رأوها لوقعوا فيما هو أشد منها من
اليأس والقنوط والإستحسار وفتور الهمة.
أيها الإخوة وحقيقة الإنابة إلى الله أن يفتقر العبد لربه جل جلاله وأن يذل وينكسر
ويخضع بين يديه وأن يستكثر ما منَّ به ربه عليه من الخير وإنه لايستحق منه قليلاً
ولاكثيراً وأن يستحضر العبد أن رحمة ربه هي التي اقتضت اعترافه بنعم الله واقتضت
استقلاله طاعاته لربه ورآها من أقل ما ينبغي لربه والمنيب هو من يستكثر قليل
معاصيه وذنوبه وينكسر قلبه إذا ذكر تلك الذنوب
قال ابن القيم: فما أقرب أن يجبر الله قلب العبد المكسور وما أدنى الرحمة والرزق منه
وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين بأعمالهم
وعلومهم وأحوالهم، وأحب القلوب إلى الله قلب تمكنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذلة
فهو ناكس الرأس بين يدي ربه لايرفع رأسه إليه حياءً وخجلاً من الله فإذا سجد القلب
لله هذه السجدة العظمى سجدت معه جميع الجوارح وعنا الوجه حينئذ للحي القيوم
وخشع الصوت وذل العبد واستكان وخضع واضعاً خده على عتبة العبودية ناظراً بقلبه
إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم فلا يرى إلا متملقاً لربه خاضعاً له ذليلاً
منكسراً مستعطفاً له يسأله عطفه ورحمته يترضى ربه ليس له هم إلا استرضاءه
واستعطافه ويقول: كيف أغضب من حياتي في رضاه؟ وكيف أعدل عمن سعادتي
وفلاحي وفوزي في قربه وحبه وذكره؟