إن كل رسول نبي وكل نبي رسول إن معنى كلمة النبي هي ذاتها معنى كلمة الرسول. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسول ونبي، أي أن الله أرسله إلى البشر، وأنبأه بوحي من لدنه سبحانه. وهكذا آدم ونوح وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وغيرهم من الرسل الأنبياء.
فالرسول من أرسله الله تعالى برسالة إلى البشر، سواء أكان معه كتاب جديد من عنده سبحانه، أم كان عاملا بكتاب رسول سبقه.
والنبي من أنبأه الله تعالى بكثرة، وجاء قومه بنبوءات كثيرة، حيث إن كلمة النبي هي من صيغ المبالغة. سواء أجاء بكتاب جديد من عنده سبحانه، أم كان عاملا بكتاب نبي سبقه.
لذا فإن كل رسول نبي وكل نبي رسول، لكن أصل التسمية مختلفة. ولكل لفظة معناها الخاص. فالآية تقول: وما أرسلنا من رسول برسالة إلى البشر، ولا نبي أنبأناه بوحي من عندنا إلا إذا تمنى تحقيق إنجاز،
أما المستدلون على أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا، فنقول لهم: على هذا المعنى فإن في الآية كلمة زائدة، وهي كلمة رسول، إذ إن كل رسول نبي حسب قولكم، فكان يكفي أن تقول الآية: وما أرسلنا من نبي إلا إذا تمنى..
على أن هؤلاء القائلين بذلك أغفلوا عددا من الآيات القرآنية القاطعة في دلالتها على أن كل رسول نبي وكل نبي رسول، ولم يتحدثوا إلا عن هذه الآية رغم أنها تعارض مفهومهم من غير أن يتنبهوا لذلك.
أما أدلتنا على أن كل رسول نبي وكل نبي رسول، فهي:
1-قولـه تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللـه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (سورة البقرة: 214).
وقولـه تعالى (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة الأنعام: 49).
وجه الاستدلال:
لقد بعث اللـه تعالى النبيين ليبشروا الناس ولينذروهم، كما بعث الرسل للغاية ذاتـها، حيث استعملت الألفاظ نفسها مع النبيين ومع المرسلين. لذا فإنَّ الرسول الذي أرسلـه اللـه إلى الناس لا يمكن إلا أنْ يكون نبيًّا. ومتى كان نبيًّا فلا بد أنْ يكون رسولاً، وإلا فما معنى أنْ يكون نبيًّا أنبأه اللـه تعالى؟ أليس عليه واجب التبليغ والإنذار؟
2-قولـه تعالى (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللـه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (سورة النساء: 166).
لقد جاءت هذه الآية مباشرة بعد ذكر مجموعة من أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، وقد كان بعض هؤلاء أنبياء تشريعيين، وكان بعضهم أنبياء تابعين. وبعضهم أوتي كتابًا، وبعضهم لم ينـزل عليه كتاب. وسمي هؤلاء جميعًا رسلاً.
أمّا الآيات التي سبقت هذه الآية فهي قولـه تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللـه مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللـه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللـه عَزِيزًا حَكِيمًا) (سورة النساء: 164-166).
3-قوله تعالى (وَلَقَد آتَيْنا موسى الكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بالرُّسُلِ) (سورة البقرة: 88). ولا خلاف في أن الأنبياء الذين أُرسلوا إلى بني إسرائيل من بعد موسى لم تكن معهم شريعة، بل كانوا تابعين لشريعة موسى عليه السلام، وحيث إن الله تعالى سمّاهم رسلاً، فلا بدّ أن يكون المبعوث من عند الله رسولاً حتى لو كان تابعًا، لذا فكل نبي رسول.
4-وصف الله تعالى نبيّه إسماعيل عليه السلام بأنه رسول نبيّ رغم أنه لم يؤت شريعة من عنده سبحانه وتعالى. قال تعالى (واذْكُر في الكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وَكانَ رسولاً نَبِيًّا) (سورة مريم: 55).
5-وصف الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بأنه صديق نبي، ولو كان النبي هو من لم يُؤت شريعة، لما صحّ هذا الوصف. بل لوجب أن يقال: صديق رسول.. قال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)..
6- وصف الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام بأنه رسول نبي، قال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا). وحيث إن سيدنا موسى عليه السلام قد بعثه الله بشريعة جديدة، فإن وصفه بنبي بعد وصفه برسول لا قيمة له حسب التفسير التقليدي، إذ ما دام كل رسول نبيا والعكس ليس بصحيح، فما قيمة أن تُتبع كلمة رسول بكلمة نبي؟
أما حسب قولنا فإن الآية تصف موسى عليه السلام بأنه رسول من الله، وأن الله تعالى قد آتاه نبوءات من عنده. كما يمكن أن يستنتج منها أن الأنبياء يبلغون مرتبة الرسالة أولا ثم مرتبة النبوة.. والنبوة مرتبة لا بدّ أن يصلها الرسول، لذا كان كل رسول نبيا، وكان كل نبي رسولا.
من أين أتوْا بهذا التفريق؟
لو تتبعت الآيات القرآنية التي ذكرَت الأنبياء والرسل لن تلحظ أن النبي هو مَن ليس معه شريعة وأن الرسول هو مَن معه شريعة.. هذا لا تمكن ملاحظته من خلال الآيات القرآنية.
ويبدو أنه لمّا لاحظ القائلون بالتفريق بين النبي والرسول أن بعض الرسل معه شريعة، وأن بعضهم ليس معه شريعة، قالوا أنه لا بدّ مِن أن يُطلق على هذا النوع اصطلاح مختلف عن الاصطلاح الذي يطلق على ذلك النوع.. فمنطلق هؤلاء صحيح، وهو أنه لا بدّ من اصطلاح خاص بكل نوع، لكن تحديد هذا الاصطلاح كان خطأً، فلو تمعنوا في الآيات القرآنية لعلموا أن كلمة (رسول) أُطلقت على النبي التشريعي وغير التشريعي، ومثلها كلمة (النبي) فقد أطلقت على كليهما، لذا لا بدّ من البحث عن اصطلاح آخر للتفريق. ولا مشاحة في الاصطلاح. ونحن قلنا: إن مَن بعثه الله بكتاب جديد وشريعة جديدة، فيمكن أن نسميه رسولا ونبيا تشريعيا أو رسولا صاحب كتاب أو أي اصطلاح آخر يعبِّر عن هذا التفريق. وأن من جاء تابعا لنبي سبقه، فيمكن أن نسميه نبيا تابعا أو رسولا تابعا أو نبيا غير تشريعي أو رسولا غير تشريعي أو أي اصطلاح آخر يعبر عن ذلك